رحبة صنعاء (معلم تاريخي من اليمن)
- الحصول على الرابط
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
رحبة صنعاء.. القرية التاريخية والقاع الفسيح
قرية الرحبة هو اسـم المدينة القديـمة التي كانت تقع شـمال مدينة صنعاء القديـمة إلى جانب مدينة "شعوب"، وقد ظهرتا تلكما المدينتان في وقت واحد، ولكن "الهمداني" أطلق تسـمية الرحبة على القاع، وهو نفسه القاع الذي في شـمال مدينة صنعاء القديـمة، حيث ذكر عدداً من قراه "الجراف وذهبان، وعشر وعلمان"، وقد أقيـمت مدينة صنعاء في بقعة تكاد أن تكون مأذنية صرفة – تتبع قبيلة مأذن – إلى جوار مدينة شعوب حاضرة قبيلة "مأذن" وعلى مشارف الرحبة التي اقترن اسـمها بعد ذلك بـمدينة صنعاء في النقوش، وارتبط مصيرها بها ثم انتهت بأن نسبت إليها فقيل (رحبة صنعاء).
لقد بدأ ظهور مدينة الرحبة القديـمة عقب استيطان السبئيين فيها ذلك الاستيطان الذي اتبعه السبئيون في مناطق مختلفة من نجد اليـمن والجوف في أراضٍ كانت تابعة لقبائل أخرى، بعضها قد اتخذ شكل المملكة، وقد بدأ انتقال الاستيطان يظهر منذ (القرن السابع قبل الميلاد)، حيث كان يتـم عقب الاستيلاء على المدن طرد أهلها منها أو أن يدخلوا على تركيبتها السكانية تعديلات تجعلهم قادرين على تحقيق الهدف الذي يسعون إليه، وهو توسيع رقعة دولتهم وتثبيت أركانها وتأمين حدودها لفرض الهيـمنة السبئية في مناطق نجد اليـمن وفي مقدمتها الرحبة، والرحبة واحدة من (خولان)، وقد ذكرها النقش الموسوم بـ(RES.3951)، وهو مما يدل بأن الرحبة قد كانت قائمة قبل (القرن الأول الميلادي) وبالذات في فترة مكربي سبأ، وقد نعمت الرحبة بالاستقرار في ظل ما يـمكن تسـميته بالسلام السبئي – كما رآه الدكتور "بافقيه" – طيلة الفترة العتيقة، وهي فترة الازدهار الاقتصادي الذائع الصيت، وكانت الشعوب في قاع الرحبة مقسـمة إلى مقولات تتـمتع بالاستقلال الداخلي ضمن صيغة اتحادية يجمعها الولاء لملوك سبأ ولكن في فترة الحروب الدامية في (القرون الثلاثة الميلادية الأولى)، أصبحت الرحبة وصنعاء هما الخطوط الدفاعية الأولى لمملكة سبأ، خاصة بعد استيلاء الحميريين – الريدانيين – على قاع جهـران، وهكذا على مدار (القرنين الثاني والثالث) تردد اسـم صنعاء والرحبة في النقوش مقترنين في كثير من الأحوال، خاصة في (القرن الثالث الميلادي)، حيث كان الملكان السبئيان "إل شرح يحضب" وأخيه "يأزل" بين ملكي سبأ وذي ريدان يترددان كثيراً على الرحبة وصنعاء.
هكذا انتهت بعد ذلك مدينة الرحبة بأن اندرجت ضمن مدينة صنعاء ليصبح بعد ذلك اسـم الرحبة في (القرن الثالث الهجري – التاسع الميلاد) اسـما للقاع الفسيح الذي يقع شـمال صنعاء كما جاء عند "الهمداني".. وورد في (صفة جزيرة العرب) تأليف الحسن بن أحمد الهمداني، وذلك في حاشية الكتاب بقلم المرحوم المؤرخ الكبير القاضي محمد بن علي الأكوع أن الرحبة بفتح الراء المشددة والحاء المهملة آخره هاء.. وعدها المؤلف من حقول اليـمن المشهورة وهو و اسع جداً، فيه القرى والمزارع والأعناب والفواكه، واعتبرها المؤلف من الجراف واليوم تعتبر من خارج الروضة وتقع شـمال صنعاء وتتفاوت المسافة بتفاوت الاعتبارين فتتراوح فيـما بين ميلين إلى أربعة أميال، ووهم ياقوت فضبطها بضم أوله وسكون ثانيه ثم ساق كلاماً إلى أن قال: ورحبة قرية من صنعاء اليـمن على ستة أيام منها، وهي أودية ذات طلح وفيها بساتين وقرى لها ذكر في حديث العنسي ثم قال: رحبة صنعاء وساق كلام المؤلف برمته من قوله: وسـميت الخ إلى أن قال: وهي على ستة أيام من صنعاء ثم ساق كلامه الأول: فأنت ترى ما فيه من الوهم في الضبط وتقدير المسافة ولا لوم على ياقوت فهو معذور لبعده عنها.
كانت الرحبة عبارة عن غابة: هيجة كبيرة كثيرة الأشجار المدوحة ملتفة الأغصان والأعشاب والحراج وكانت تأوي إليها الوحوش وحيوانات الصيد، وكانت القرى من خلفها، وفيها قتل الملك سيف بن ذي يزن لما ذهب إليها يتصيد فاهتبل الأحباش انفراده فقتلوه.. راجع التاريخ، وجاء في أحداث التاريخ أنها جرت حكومة بين الأبناء وبين أهل صنعاء بشأن احتطاب الرحبة وكان يتـمسك الأبناء أن بيدهم عهداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن احتطابها كما ذكر المؤلف بينما أهل صنعاء ينكرون ذلك.. وكان أهل صنعاء يحتطبون منها إلى بداية السبعينات من القرن العشرين لأن من عادة صنعاء عبر آلاف السنين يحتطبون منها ويقومون بتخزين حطب الأثل في الطبقات المخصصة للحطب، لأن تخطيط البيت الصنعاني كان يوجد به حَرَاً وطبقة مخصصة للحطب الذي يذخر فيه الحطب، لأن مدينة صنعاء عبر تاريخها الطويل كانت تشهد من فترة إلى أخرى الحوزات التي يطلق عليها الحصار الآن بسبب الصراعات السياسية التي كانت بين الملوك والسلاطين والأئمة والحوزات أخذ جزءاً كبيراً من تاريخ مدينة صنعاء، وكانوا يواجهونها بادخار الحبوب والحطب وكان لأسرتي مساحة لا بأس بها مغروسة بنبات الأثل، وكان الوكيل يقوم كل سنة باحتطابها وتحميلها على الجمال والتي عادة ما تكون ثلاثين إلى أربعين جملاً أو
أكثر وكان موسـم وصول الحطب من الرحبة والمرسل من وكيل بيت العرشي حديث حارتنا لأن أسرتنا كانت تخصص جزءاً من الأثل لجيراننا، وكانت المثير من الأسر الصنعانية تقوم أيضاً بادخار الحبوب في طبقات مخصصة للحبوب، وكان يوجد فيها عدة أحقب، وكان لأسرة جدي المرحوم القاضي عبدالله بن أحمد العرشي أموال في محافظة إب في مديرية الرضمة في محل جلب، وكان وكيل جدي الحاج محمد الجمال، يقوم بتوريد الحبوب إلى طبيق أسرتي في صنعاء وكان جملة ما يتـم توريده تبلغ خمسـمائة قدح.
وقد جاء في كتاب (تاريخ صنعاء) لإسحاق بن يحي بن جرير الطبري الصنعاني المتوفى سنة 450هـ، حيث يعتبر الطبري أقدم من أرخ لمدينة صنعاء، ويعتبر كتابه أقدم من تاريخ الرازي عن تاريخ صنعاء. وقد ذكر مؤلف هذا الكتاب العديد من المعارك التي وقعت في الرحبة من بني الحارث، ومما ذكره أن الإمام المرحوم الهادي يحيى بن الحسين سار إلى صنعاء ومعه جيش كبير، وكان قائد جيشه في ذلك الوقت أبو العتاهية وقد لقيه إلى الرحبة (في بني الحارث) الجيش الذي خرج من صنعاء بقيادة إبراهيـم بن خلف بن طريف، فاقتتلوا وانهزم إبراهيـم بن طريف إلى ضهر (وادي ضهر)، ودخل الإمام الهادي إلى صنعاء، وهاجت الحرب بينه وبين بني يعفر. ويلاحظ من هذا النص التاريخي أن الإمام الهادي قد افتتح صنعاء في ذلك التاريخ من أيام دولة بني يعفر.
ومما ذكر كذلك في تاريخ الطبري؛ أن ابن الروية ومن معه من قبائل بني الحارث ومراد وغيرهم لما وصلوا إلى الرحبة في موقع فيها يسـمى الملكة (والملكة الآن قرية من مديرية بني حشيش) حمل بني الحارث على عسكر الإمام فقتلوا منهم جمعاً ومن أهل البون وحمير وغيرهم، وانهزم عسكر الإمام، فلما علم الإمام بهزيـمة جيشه وعسكره خرج ومعه مائة ألف فارس من همدان وحمير، ولم يزل القتل بينهما فاشياً حتى دخل الليل، وانسحب بني الحارث إلى جبل الصمع، وقد ذكر الطبري أنه قتل من بني الحارث في ذلك اليوم ستون رجلاً.
وذكر الطبري أنه في يوم التاسع وعشرين من شهر شوال سنة 399هـ اجتـمعت بنو الحارث كلها حتى وصلت شعوب فأخذت غنماً وبقراً لبني حماد، وهي مواشي كهلان بن بكيل، فخرج إليهم أهل صنعاء ومن كان في صنعاء من همدان فأصيب الجميع وقتل من أهل صنعاء رجلاً. ووقعت الهزيـمة على بني الحارث وان جعفر بن ذعفان صرخ في الأبناء وفي بني شهاب، وخرج إلى الرحبة بـمن اجتـمع معه من العساكر. وقد كانت بنو الحارث سألوه هدنة فكره. فلما صاروا في الرَّحبة همت الأبناء ببني شهاب وهمّت بنو شهاب بالأبناء.
كما وردت الرحبة في كتاب (سيرة الأميرين الجليلين الشريفين الفاضلين، نص تاريخي يـمني من القرن الخامس الهجري) لمؤلفه مفرَّح بن أحمد الرَبَعي، حيث شكى مؤلف هذا الكتاب بأن القرامطة الذي كانوا في صنعاء والرحبة وفي بلد الأبناء وبلاد عنس اقتسـموا الملك، وعملوا فيهم ما لا يُعمل في الروم وهم أهل الشرك، يبيعونهم ويشترونهم ويصرفونهم عن منازلهم ويـمنعونهم ويدخل الواحد إلى منزل قسيـمه ويخلو بأهله وحريـمه... وذكر أن الشريف الفاضل نظر في هزيـمته في إحدى المعارك مع ابن المظفر، وأعمل الفكر فيـما يردّ ابن مظفَّر من معسكره ويكون تغطيةً لهذه الهزيـمة وتوطئةً للناس بعد الكسرة العظيـمة. فعمل على الغارة برحبة صنعاء، وأراد أن ينهض هو والناصر يـمضي على مشرق خولان ويفتح عليهم الفتنة في ذلك المكان فشاوره الشريف الفاضل على ذلك فلم يُسعده.
- الحصول على الرابط
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق